فصل: مناسبة الآية لما قبلها:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وأما ما ذكرناه من اختيار الآحاد، فإنما أكدنا به دليل الكتاب، ثم هي لازمة لكم، فنحن أوردناها إلزاما لا استدلالا.
القول الثاني: أن آل النبي صلّى الله عليه وسلّم هم ذريته وأزواجه خاصة، قال ابن عبد البر- وقد ذكر حديث مالك عن عبد الله بن أبى بكر، عن عمرو بن سليم، قال: أرى أبو حميد قد كره استدلال قوم بهذا الحديث، على أن آل محمد هم أزواجه وذريته خاصة، لقوله في حديث مالك، عن نعيم المجمّر وفي غير ما حديث: اللَّهمّ صل على محمد وعلى آل محمد. وفي هذا الحديث: «اللَّهمّ صل على محمد وأزواجه وذريته» فقالوا: هذا يفسّر هذا الحديث، ويبين أن آل محمد هم أزواجه وذريته.
قالوا: فجائز أن يقول الرجل لكل من كان من أزواج محمد وذريته: صلى الله عليك إذا واجهه، وصلى الله عليه إذا غاب عنه، ولا يجوز ذلك في غيرهم.
قالوا: والآل والأهل سواء، وأهل الرجل وآله سواء، وهم الأزواج والذرية، بدليل هذا الحديث. وقد احتج أصحاب هذا القول بما في الصحيحين من حديث أبى هريرة قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «اللَّهمّ اجعل رزق آل محمد قوتا».
ومعلوم أن هذه الدعوة المستجابة، ولم يقل: كل بنى هاشم ولا بنى المطلب، لأنه كان فيهم الأغنياء وأصحاب الجدة، وأما ذريته صلّى الله عليه وسلّم وأزواجه وكان رزقهم قوتا، وما حصل من الأموال لأزواجه من بعده كن يتصدقن به، ويجعلن رزقهن قوتا، فقد جاء عائشة مال عظيم فقسمته كله في الحال وهي جالسة، فقالت لها الجارية لو تركت لنا منه درهما نشتري به لحما؟ فقالت: لو ذكّرتينى فعلت ومما في الصحيحين عن عائشة قالت: ما شبع آل محمد من خبز برّ مأدوم ثلاثة أيام حتى قبض. ثانيه: قالوا: ومعلوم أن العباس وأولاده وبنى المطلب لم يدخلوا في لفظ عائشة ولا مرادها، قالوا: إنما دخلت الأزواج في الآل وخصوصا أزواج النبي صلّى الله عليه وسلّم تشبيها بالنسب، لأن اتصاله بهن صلّى الله عليه وسلّم غير مرتفع، فإنّهنّ محرمات على غيره من بعده، وهن زوجاته في الآخرة.
فالنسب الّذي لهن بالنبيّ صلّى الله عليه وسلّم قائم مقام النسب، وقد نصّ النبي صلّى الله عليه وسلّم على الصلاة عليهنّ، وقد قال تعالى: {يا نِساءَ النَّبِيِّ من يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضاعَفْ لَهَا الْعَذابُ ضِعْفَيْنِ} 33: 30 إلى قوله: {يا نِساءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ من النِّساءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ} 33: 32 إلى قوله: {وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وَآتِينَ الزَّكاةَ وَأَطِعْنَ الله وَرَسُولَهُ إِنَّما يُرِيدُ الله لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا وَاذْكُرْنَ ما يُتْلى في بُيُوتِكُنَّ من آياتِ الله وَالْحِكْمَةِ} 33: 33- 34 فدخلن في أهل البيت، لأن هذا الخطاب كله في سياق ذكرهن، فلا يجوز إخراجهن من شيء منه.
وزعم بعضهم أن الأهل يختص بالزوجات، ويدخل فيه الأولاد، لقوله تعالى: {إِنَّما يُرِيدُ الله لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ} 33: 33 ثم قال بعد ذلك: {وَاذْكُرْنَ ما يُتْلى في بُيُوتِكُنَّ} 33: 34، وهذا بخلاف الأول، فإن الأولاد يدخل فيه.
واعترض بأن تنصيصه صلّى الله عليه وسلّم على الأزواج والذرية لا يدل على الاختصاص، بل هو حجة على عدم الاختصاص بهم، لما خرج أبو داود من حديث نعيم المجمر، عن أبى هريرة رضي الله عنه في الصلاة على النبي صلّى الله عليه وسلّم اللَّهمّ صل على محمد النبي وأزواجه أمهات المؤمنين، وذريته وأهل بيته كما صليت على إبراهيم إنك حميد مجيد فجمع بين الأزواج والذرية والأهل، وإنما نص عليهم بتعيينهم ليبين أنهم حقيقيون بالدخول في الآل، وأنهم ليسوا بخارجين منه، بل هم أحق من دخل فيه، وهذا كنظائره من عطف الخاص على العام تنبيها على شرفه وتخصيصا له بالذكر من بين النوع، لأنه أحق أنواع النوع بالدخول فيه، وهنا للناس طريقان، أحدهما:
أن ذكر الخاص قبل العام أو بعده قرينة تدل على أن المراد بالعام ما عداه، والطريق الأخرى: أن الخاص ذكر مرتين مرة بخصوصه ومرة بشمول الاسم العام له، تنبيها على مزيد شرفه، وهذا لقوله تعالى: {وَإِذْ أَخَذْنا من النَّبِيِّينَ مِيثاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمن نُوحٍ وَإِبْراهِيمَ وَمُوسى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ} 33: 7 وقوله: {من كانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكالَ فَإِنَّ الله عَدُوٌّ لِلْكافِرِينَ} 2: 98.
القول الثالث: أن آله صلّى الله عليه وسلّم أتباعه إلى يوم القيامة، حكاه ابن عبد البر عن بعض أهل العلم، وأقدم من روى عنه هذا القول جابر بن عبد الله رضي الله عنه، ذكره البيهقي عنه، ورواه عن سفيان الثوري، واختاره بعض أصحاب النبي صلّى الله عليه وسلّم، حكاه عنه أبو الطيب الطبري في تعليقه، ورجحه الشيخ أبو زكريا النووي في شرح مسلم، واختاره الأزهري، والحجة لهذا القول أن آل المعظم المتبوع هم أتباعه على دينه، وأمره قريبهم وبعيدهم، وأن اشتقاق هذه اللفظة تدل عليه، فإنه من آل يئول إذا رجع، ومرجع الأتباع إلى متبوعهم، لأنه إمامهم ومولاهم، ولهذا كان قوله تعالى: {إِلَّا آلَ لُوطٍ نَجَّيْناهُمْ بِسَحَرٍ} 54: 34 المراد به أتباعه المؤمنون به من أقاربه وغيرهم، وقوله تعالى: {أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذابِ} 40: 46 المراد به أتباعه وشيعته.
وقد خرج البيهقي من حديث واثلة بن الأسقع، أن النبي صلّى الله عليه وسلّم دعا حسنا وحسينا، فأجلس كل واحد منهما على فخذه، وأدنى فاطمة في حجره وزوجها، ثم لف عليهم ثوبه ثم قال: «اللَّهمّ هؤلاء أهلي» قال واثلة: فقلت: يا رسول الله! وأنا من أهلك؟ قال: «وأنت من أهلي» قال: فإنّها لمن أرجى ما أرجو، قالوا: ومعلوم أن واثلة بن الأسقع من بنى ليث بن بكر بن عبد مناف، وإنما هو من أتباع النبي صلّى الله عليه وسلّم.
واعترض على هذا القول بأن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قد رفع الشبهة وأزالها بقوله: «إن الصدقة لا تحل لآل محمد» وبقوله: «إنما يأكل آل محمد من هذا المال» وبقوله: «اللَّهمّ اجعل رزق آل محمد قوتا» وهذا لا يجوز أن يراد به عموم الأمة قطعا، فأولى ما حمل عليه الآل في الصلاة الآل المذكورون في سائر ألفاظه، ولا يجوز العدول عن ذلك.
وأيضا فإن الصلاة عليه صلّى الله عليه وسلّم حق له ولآله دون سائر الأمة، ولهذا تجب على وعلى آله عند الشافعيّ وغيره كما تقدم ذكره، وإن كان عندهم في الآل اختلاف، ومن لم يوجب الصلاة عليه فإنه بلا شك يستحبها عليه وعلى آله، ويكرهها ولا يستحبها لسائر المؤمنين، ولا يجوزها لغير النبي صلّى الله عليه وسلّم وآله، فمن قال: إن آله في الصلاة هم كل الأمة فقد أبعد غاية البعد، بدليل أن النبي صلّى الله عليه وسلّم شرع في التشهد السلام والصلاة، فشرع في الصلاة تسليم المصلى على رسول صلّى الله عليه وسلّم أولا، وبعده سلام المصلى على نفسه ثانيا، وعلى سائر عباد الله الصالحين ثالثا، وقال صلّى الله عليه وسلّم: إذا قلتم ذلك فقد سلمتم على كل عبد الله صالح في الأرض والسماء.
وأما الصلاة فلم يشرعها إلا عليه وعلى آله فقط، فدل على أن آله هم أهله وأقاربه، وهذا بين يؤيده أن الله تعالى أمر عباده المؤمنين بالصلاة على نبيه صلّى الله عليه وسلّم بعد ذكر حقوقه، وما خصه تعالى به دون أمته: من حل نكاحه لمن تهب نفسها له، ومن تحريم نكاح أزواجه على الأمة بعده، ومن سائر ما ذكر من حقوقه وتعظيمه وتوقيره وتبجيله، ثم قال: {وَما كانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ الله وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْواجَهُ من بَعْدِهِ أَبَدًا إِنَّ ذلِكُمْ كانَ عِنْدَ الله عَظِيمًا} 33: 53، ثم ذكر رفع الجناح عن أزواجه في تكليمهم إياهن وأبناؤهن، ومن ذكر دخولهن عليهنّ، ثم عقب ذلك بما حق من حقوقه الأكيدة على الأمة وهو أمرهم بصلاتهم عليه وسلامهم، مستفتحا ذلك الأمر بإخباره تعالى بأنه وملائكته يصلون عليه، فسأل الصحابة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: بأي صيغة يؤدون هذا الحق؟ فقال: قولوا: اللَّهمّ صل على محمد وعلى آل محمد، فالصلاة على آله هي من تمام الصلاة عليه وتوابعها، لأن ذلك مما يرفع الله به قدره، ويزيده الله به شرفا وعلوا صلّى الله عليه وسلّم، ولا ريب أن الأتباع يطلق عليهم لفظ الآل في بعض المواضع بقرينة، ولا يلزم من ذلك أنه حيث وقع لفظ الآل يراد الأتباع بما تقدم من النصوص، والله أعلم.
القول الرابع: أن آله صلّى الله عليه وسلّم هم الأتقياء من أمته، حكاه القاضي حسين والراغب وجماعة، واحتج لهذا القول بما خرجه الطبراني من طريق نعيم بن حماد، حدثنا نوح بن أبى مريم، عن يحى بن سعيد الأنصاري، عن أنس بن مالك رضى الله عنه قال: سئل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: من آل محمد؟ فقال: كل تقى وتلا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: {إِنْ أَوْلِياؤُهُ إِلَّا الْمُتَّقُونَ} 8: 34، قال الطبراني: لم يروه عن يحيى إلا نوح، تفرد به نعيم. وقد رواه البيهقي من حديث أحمد بن عبد الله بن يونس، حدثنا نافع أبو هرمز عن أنس فذكره، ونوح هذا ونافع بن هرمز لا يحتج بهما أحد من أهل العلم، قال ابن معين: نوح بن أبى مريم ليس بشيء ولا يكتب حديثه، وقال البخاري: منكر الحديث، وقال السعدي: سقط حديثه، وقال ابن عدي: وعامة حديثه لا يتابع، ونافع أبو هرمز السلمي بصرى، قال ابن معين: ليس بشيء، ومرة قال: يروى عن أنس، ليس بثقة. كذاب، وقال أحمد: ضعيف الحديث، وقال النسائي: ليس بثقة، وقال ابن عدي: وعامة ما يرويه غير محفوظ، والضعف على رواياته بيّن.
واحتجوا بأن الله تعالى قال لنوح عليه السلام عن ابنه: {إِنَّهُ لَيْسَ من أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ} 11: 46، فأخرجه بشركه أن يكون من أهله، فعلم أن آل الرسول هم أتباعه، وأجاب الشافعيّ- رحمه الله- عن هذا بأن المراد إنه ليس من أهلك الذين أمرناك بحملهم ووعدناك نجاتهم، لأن الله تعالى قال له قبل ذلك: {احْمِلْ فِيها من كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا من سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ} 11: 40، فليس ابنه من أهله الذين ضمن له نجاتهم، ويزيد صحة هذا الجواب أن سياق الآية يدل على أن المؤمنين قسم غير أهله الذين هم أهله، لأنه تعالى قال: {قُلْنَا احْمِلْ فِيها من كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا من سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمن آمَنَ وَما آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ} 11: 40، فمن آمن معطوف على المفعول بالحمل وهم أهل، والاثنان من كل زوجين، واحتجوا بحديث واثلة المتقدم، وتخصيص واثلة بذلك أقرب من تعميم الأمة به، وكأنه صلّى الله عليه وسلّم جعل واثلة في حكم الأهل تشبيها بمن يستحق هذا الاسم.
والصواب: أن الأتقياء من أمته صلّى الله عليه وسلّم هم أولياؤه، فمن كان منهم من أقاربه فهو من أوليائه لا من آله، فقد يكون الرجل من آله وأوليائه كأهل بيته والمؤمنين به من أقاربه ولا يكون لا من آله ولا من أوليائه كمن لم يؤمن به، وقد يكون من أوليائه وإن لم يكن من آله، كخلفائه في أمته، الداعين إلى سنته، الذابين عنه، الناصرين لدينه، وإن لم يكن من أقاربه.
وقد ثبت أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «إن آل- أبى فلان- ليسوا لي بأولياء، إنّ أوليائي المتقون كانوا ومن كانوا» فالمتقون هم أولياء رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وأولياؤه أحب إليه، قال تعالى: {وَإِنْ تَظاهَرا عَلَيْهِ فَإِنَّ الله هُوَ مَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذلِكَ ظَهِيرٌ} 66: 4، وسئل صلّى الله عليه وسلّم: أي الناس أحب إليك؟ قال: «عائشة، قيل: من الرجال؟ قال: أبوها» متفق عليه وذلك أن المتقين هم أولياء الله تعالى، كما قال عزّ من قائل: {أَلا إِنَّ أَوْلِياءَ الله لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا وَكانُوا يَتَّقُونَ} 10: 62- 63، فأولياء الله تعالى أولياء رسوله صلّى الله عليه وسلّم.
تم بحمد الله تعالى الجزء الخامس ويليه الجزء السادس وأوله: فصل في ذكر ذرية رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. اهـ.

.تفسير الآية رقم (35):

قوله تعالى: {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا (35)}.

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما حث سبحانه على المكارم والأخلاق الزاكية، وختم بالتذكير بالآيات والحكمة، أتبعه ما لمن تلبس من أهل البيت بما يدعو إليه ذلك من صفات الكمال، ولكنه ذكره على وجه يعم غيرهم من ذكر وأنثى مشاكلة لعموم الدعوة وشمول الرسالة، فقال جوابًا لقول النساء: يا رسول الله! ذكر الله الرجال ولم يذكر النساء بخير فما فينا خير نذكر به، إنا نخاف أن لا يقبل منا طاعة، بادئًا الوصف الأول الأعم الأشهر من أوصاف أهل هذا الدين مؤكدًا لأجل كثرة المنافقين المكذبين بمضمون هذا الخبر وغيرهم من المصارحين: {إن المسلمين} ولما كان اختلاف النوع موجبًا للعطف، قال معلمًا بالتشريك في الحكم: {والمسلمات}.
ولما كان الإسلام مع كونه أكمل الأوصاف وأعلاها يمكن أن يكون بالظاهر فقط، أتبعه المحقق له وهو إسلام الباطن بالتصديق التام بغاية الإذعان، فقال عاطفًا له ولما بعده من الأوصاف التي يمكن اجتماعها بالواو للدلالة على تمكين الجامعين لهذه الأوصاف من كل وصف منها: {والمؤمنين والمؤمنات} ولما كان المؤمن المسلم قد لا يكون في أعماله مخلصًا قال: {والقانتين} أي المخلصين في إيمانهم وإسلامهم {والقانتات} ولما كان القنوت كما يطلق على الإخلاص المقتضي للمداولة قد يطلق على مطلق الطاعة قال: {والصادقين} في ذلك كله {والصادقات} أي في إخلاصهم في الطاعة، وذلك يقتضي الدوام.
ولما كان الصدق- وهو إخلاص القول والعمل عن شوب يلحقه أو شيء يدنسه- قد لا يكون دائمًا، قال مسيرًا إلى أن ما لا يكون دائمًا لا يكون صدقًا في الواقع: {والصابرين والصابرات} ولما كان الصبر قد يكون سجية، دل على صرفه إلى الله بقوله: {والخاشعين والخاشعات} ولما كان الخشوع- وهو الخضوع والإخبات والسكون- لا يصح مع توفير المال فإنه سيكون إليه، قال معلمًا أنه إذ ذاك لا يكون على حقيقته: {والمتصدقين} أي المنفقين أموالهم في رضى الله بغاية الجهد من نفوسهم بما أشار إليه إظهار التاء فرضًا وتطوعًا سرًا وعلانية بما أرشد إليه الإظهار أيضًا تصديقًا لخشوعهم {والمتصدقات}.
ولما كان بذل المال قد لا يكون مع الإيثار، أتبعه ما يعين عليه فقال: {والصائمين} أي تطوعًا للإيثار بالقوت وغير ذلك {والصائمات} ولما كان الصوم يكسر شهوة الفرج وقد يثيرها، قال: {والحافظين فروجهم} أي عما لا يحل لهم بالصوم وما أثاره الصوم {والحافظات} ولما كان حفظ الفروج وسائر الأعمال لا تكاد توجد إلا بالذكر.
وهو الذي فيه المراقبة الموصلة إلى المحاضرة المحققة للمشاهدة المحيية بالفناء قال: {والذاكرين الله} أي مع استحضار ما له من الكمال بصفات الجلال والجمال {كثيرًا} بالقلب واللسان في كل حالة {والذاكرات} ومن علامات الإكثار من الذكر اللهج به عند الاستيقاظ من النوم.
ولما كان المطيع وإن جاوز الحد في الاجتهاد مقتصرًا عن بلوغ ما يحق له، أشار إلى ذلك سبحانه بقوله مكررًا الاسم الأعظم إشارة إلى ذلك وإلى صغر الذنوب إذا نسبت إلى عفوه: {أعد الله} أي الذي لا يقدر أحد أن يقدره حق قدره مع أنه لا يتعاظمه شيء {لهم مغفرة} أي لهفواتهم وما أتوه من سيئاتهم بحيث يمحو عينه وأثره، فلا عتاب ولا عقاب، ولا ذكر له سبب من الأسباب.
ولما ذكر الفضل بالتجاوز، أتبعه التفضل بالكرم والرحمة فقال: {وأجرًا عظيمًا} وإعداد الأجر يدل على أن المراد بهذه الأوصاف اجتماعها لأن مظهر الإسلام نفاقًا كافر، وتارك شيء من الأوصاف متصف بضده وحينئذ يكون مخلًا بالباقي وأن المراد بالعطف التمكن والرسوخ في كل وصف منها زيادة على التمكن الذي أفاده التعبير بالوصف دون الفعل، وحينئذ تعدم الكبائر فيتأتى تكفير الصغائر، فتأتي المغفرة والأجر، وأما آية التحريم فلم تعطف لئلا يظن أنهن أنواع كل نوع يتفرد بوصف، وإفادة الرسوخ هنا في الأوصاف من سياق الامتنان والمدح بكونهن خيرًا. اهـ.